صراع الهوية والانتماء في المهجر من منظور مسرحي بلجيكي من أصل لبناني
صراع الهوية والانتماء في المهجر من منظور مسرحي بلجيكي من أصل لبناني
يتناول الممثل والكاتب البلجيكي من أصل لبناني رودا فواز في إطلالته المسرحية الأولى في بيروت، قصة صراع الهوية والانتماء في المهجر، انطلاقاً من تجربة خاصة "يجد كل إنسان نفسه فيها"، على قول الفنان الذي اكتشفه مواطنو بلده الأم عبر رسالة متلفزة عقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وتناقل اللبنانيون على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي يومها الرسالة المؤثرة التي وجهها رودا فواز من خلال برنامج صباحي تبثه محطة تلفزيونية بلجيكية وكان يتولى تقديم فقرة فيه، بعد 3 أيام من انفجار المرفأ في 4 أغسطس 2020 الذي أوقع أكثر من 220 قتيلاً وآلاف الجرحى وألحق دماراً هائلاً في العاصمة اللبنانية.
وقد تناول فواز في مداخلته التي حملت عنوان "أن تكون لبنانياً"، ظروف تلقيه خبر انفجار المرفأ وتطرّق إلى معاناة اللبنانيين وتمسكهم بالأمل وعدم استسلامهم وفق لوكالة فرانس برس.
ومن على خشبة مسرح المونو الذي بات محوراً أساسياً في الحركة المسرحية في بيروت في السنوات الأخيرة، التقى فواز هذه المرة الجمهور اللبناني وجهاً لوجه، وليس عبر الشاشات، من خلال مسرحيته On The Road …A التي تستمر عروضها إلى 14 يوليو.
وسبق لهذه المسرحية التي كتبها فواز قبل نحو 8 أعوام وأخرجها البلجيكي إريك دو ستارك، أن حطّت في مسارح عدة في بلجيكا وفرنسا وسويسرا على مدى 4 أعوام.
ويتناول العمل غربة فواز في جميع البلدان التي انتمى إليها. فهو من والدين لبنانيين، رأى النور في المغرب ونشأ في غينيا واستقر في بلجيكا مع أمّه بعد انفصال والديه.
ويصف فواز مسرحيته بالإنسانية. ويقول ابن بلدة جويّا في جنوب لبنان قبل اعتلائه الخشبة إنها "تعيد النظر في إنسانية كل واحد منا في عالم فقد الكثير من الإنسانية. وتُظهر الغريب من وجهة نظر مختلفة مع الكثير من التعاطف".
وتستعيد المسرحية "لحظات فنية حميمة ومؤثرة وطريفة" على ما يقول.
ويروي رودا فواز، واسمه الأصلي محمد رضا فواز، وحيداً على المسرح فصولاً من حياته، ويتوقف عند محطات طبعت شخصيته وأتعبته، كانتقاله من غينيا إلى بلجيكا وتجربته في المدرسة ونظرة المواطنين البلجيكيين له كفتى أسمر ومسلم، مما دفعه إلى تغيير اسمه، وإحباطاته كممثل وزياراته إلى لبنان.
ويقول المسرحي البالغ الخامسة والأربعين "لا أحد غيري يستطيع أن يروي قصتي التي تحمل خصوصيتي وأتناولها بطريقة مسرحية خاصة. أتحدث عن أمي وعن أبي وأصدقائي. لكن الجميع يجد نفسه فيها".
"جميعنا غرباء"
ويضيف "نحن جميعاً غرباء عن الآخر، وفي نظر الشخص الآخر، نحن مختلفون".
ويختصر أجواء المسرحية قائلاً "هذه المسرحية عن شخص عندما يكون في بلجيكا يرونه عربياً وحين يكون في بلد عربي يعتبرونه غريباً".
لا يتناول فواز فقط قضية الجذور، بحسب قوله، بل أيضاً الدين، "أسعى إلى أن أذهب إلى مكان أبعد من خلال المسرح".
ويرى أن "الهوية هي مزيج مركّب من أشياء كثيرة كالانتماء إلى الأرض والجذور والجنسية المكتسبة".
ويضيف "هذا ما أعبّر عنه في المسرحية ونحن مزيج من أمور كثيرة منها التربية والدين والصداقة".
ويروي الممثل ذو الملامح العربية بشعره الأسود وبشرته السمراء، أنه كتب هذه المسرحية في 2016 كرد فعل "على ما كان يحصل في فرنسا إزاء مسألة الهوية الوطنية".
ويضيف "أسعى إلى أن يكون عملي الفني غير مبني على الغضب، مشاعر الغضب موجودة لكن يجب ألاّ ننقلها كما هي بطريقة سطحية، بل أن نحوّلها إلى عمل فني لكي تصل إلى الجمهور".
ويعود فواز بالذاكرة إلى رسالته عن انفجار المرفأ فيقول "شعرتُ بالحاجة الصادقة لكتابة هذه الكلمات. وكانت الحلقة الأخيرة التي سأظهر فيها اتّصلت بصديق وقلت له إنني أشعر بالحاجة إلى أن أتحدث عن انفجار بيروت فشجعني. لا أحب أن أكتب حين أكون متأثرا، بل أفضّل أن آخذ وقتي".
ويقول فواز الذي زار لبنان للمرة الأولى عام 2004 "ثمة شيء استثنائي في بيروت لا أجده في مكان آخر، ولكن عندما أكون في الخارج أرى أن الحياة قاسية في بيروت".
ويشهد لبنان تفاقماً كبيراً في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية إلى جانب أزمته السياسية القائمة في لبنان، بعد الانفجار المزدوج الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، الناجم عن تفجير مئات الأطنان من المواد شديدة الانفجار المخزنة في المرفأ، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6000 بجروح جسدية وآخرين بضائقة نفسية وتشريد، كما تضررت منازل أكثر من 300 ألف شخص.
ويرى الخبراء أن لبنان تحول من بلد متوسط الدخل إلى منخفض الدخل لعدة أسباب، منها السياسة المالية والنقدية المتبعة منذ التسعينيات التي أثبتت أنها كارثية، بجانب سعر الصرف الثابت والفوائد المرتفعة والعجز المالي رغم تنبيهات صندوق النقد الدولي ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، لم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدّخراتهم العالقة.
ولبنان الذي يعاني من فراغ في سدّة رئاسة الجمهورية يشهد منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.